كلمة منظمة حقوق الانسان الأهوازية - علي حيدري ١ ديسمبر ٢٠١٧

المنتدى العاشر للأقليات بالأمم المتحدة في جنيف - البند ٤ شباب الأقليات والعصر الرقمي

الكلمة تحت عنوان:  الشبكات الاجتماعية والحالة الأهوازية 

 مقدمة    

 شهدت السنوات الاخيرة الاهواز اهتماما غير مسبوق بالدور الذي لعبته الشبكات الاجتماعية في التاثير على الحياة السياسية و الاجتماعية،  الذي جاء في إطار ظاهرة عالمية أشمل و أوسع أطلق عليها مفهوم " الديمقراطية الرقمية أو الإكترونية " و هو مفهوم  حديث نسبيا يستخدم لوصف الانخراط في العملية السياسية باستخدام أحدث التطورات التكنولوجية في مجال تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات.  

       و تتمتع الديمقراطية الرقمية ببعض المميزات أهم هذه المميزات في الحالة الأهوازية بالتحديد، تمكين المواطنين الأهوازيين من التعبير عن آرائهم و تنويرهم من خلال تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و تزويدهم بكم هائل من المعلومات بعيدا عن هيمنة الحكومة و احتكارها عن هذه المعلومات، فضلا عن أنها سمحت هذه الديمقراطية الافتراضية للمواطن الأهوازي بإنشاء مجتمعات اجتماعية سياسية جديدة احتكارها و ساعدت في إرساء بعض المبادئ الديمقراطية و نقد بعض الاعراف و التقاليد القبلية و الطائفية الذي تحد من مشاركة الشباب و النساء على وجه خاص.  

       ولكن في المقابل و بالرغم من الدور المحوري الذي لعبته وسائل الإعلام الاجتماعية في تعزيز و تقوية الجهات الفعالة في المجتمع الأهوازي، سعيا لتحقيق المطالب و الحقوق العربية من خلال الديمقراطية على صعيد إيران، إلا أنه تحولت هذه الوسائل إلى سلاح ذي حدين، نتيجة استغلالها من قبل النظام السياسي الإيراني كأداة لتعطيل عملية الإصلاح الإجتماعي الثقافي في الأهواز و ذلك من خلال تسليط الضوء على الصراعات الطائفية في الدول الجوار و تحجيم الخطر الخارجي و بث الأكاذيب و الشائعات للحيلولة دون وصول القوة الديمقراطية في إيران للوحدة و التوافق.  

خروج من " دوامة الصمت "   

     هنا لابد من الإشارة إن في عصر ما قبل الإنترنت و انتشار الوسائل الإعلام الحديثة، سادت فكرة رئيسية في سلوك الأهوازيين تمثلت في عزوفهم عن التحدث في أمور تتعلق بالسياسة سواء في الأمكان العامة أو في النطاق الأسري أو زملاء العمل، في اعتقاد منهم بأن وجهة نظرهم الشخصية لا ينبغي مشاركتها على نطاق واسع لاسباب عدة أهمها أمنية، و كان يعني هذا الدخول فيما يسمى “ دوامة الصمت “.   

     ولكن في عقب التطور الهائل لشبكة الإنترنت بما في ذلك منصات الإعلام الاجتماعية مثل " الفيسبوك " اتيحت للأهوازيين ساحات شاسعة من أماكن النقاش في كافة أمور الحياة و بالتالي منح هذا التطور المواطن الأهوازي فرصة للتعبير عن رأيه بعيدا عن السياسات الرسمية التي تهمش الاقلية العربية، أي اتساع الخطاب العام على حساب الخطاب الحكومي و إضافة آفاق جديدة للنقاش حول القضايا السياسية بشكل يومي.  

      و قد شهد إقليم الأهواز على مدى السنوات الأخيرة تحولا ملحوظا في نمط النشاطات السياسية و الاجتماعية و الخروج من " دوامة الصمت " عبر وسائل الإعلام الاجتماعية لتصدي الخطاب السائد و الرواية الرسمية و التي تنفي أي تمييز و تهميش ضد الشعب العربي الأهوازي،   إلى أن أصبحت وسائل الإعلام الاجتماعية بمثابة نافذة جديدة للمشاركة بمعناه العام و التي لا تتجسد فقط في المشاركة الضيقة بالإنتخابات التي تمهد لها الحكومة الإيرانية و التي اصبحت بالتالي مظهرا لإقصاء العرب في إقليمهم بدل أن تفتح لهم مجال المشاركة السياسية في المسرح السياسي الإيراني العام.  

الإعلام الاجتماعي و الحراك الشعبي  

       مما لا شك فيه إن وسائل الإعلام الاجتماعي قد لعبت دورا محوريا في ترسيخ و بث الوعي لدى المواطن العربي الأهوازي. فمع الظروف المعيشية السيئة التي يعاني منها الملايين الأهوازيين و عدم المساواة و تفاقم الفساد الناتج من سياسات الحكومة في إقليم الأهواز، أتاحت تلك الوسائل الفرصة للمواطنين العرب للتعبير عن آرائهم و استخدامها كمنابر للحراك الجتماعي و السياسي و من ثم كسر حاجز الشعور بالخوف و العزلة.   

       و بالنسبة للحالة الأهوازية، وجد أن وسائل الإعلام الاجتماعية كانت المحرك الرئيسي للتعبئة و خلق الراي العام الأهوازي حيث تم استخدامها في تنظيم الاعتراضات في قضايا شتى منها الاعتراض على نقل المياه و الوضع البيئي والاعتراض على تبديل مدرسة الى مخفر في إحدى الأحياء الشعبية في مدينة الأهواز.  

       من هنا نجد أن هناك العديد من الأسباب و الدوافع التي تدفع المواطن الأهوازي خاصة الشباب إلى الانضمام لتلك الوسائل و التي يمكن تصنيفها كالتالي:  

         أولا أسباب شخصية، فربما يكون الفرد الأهوازي مهتما بالانخراط في المجتمع و تكوين صدقات جديدة ممكن أن تمتد لتشمل دول أخرى، أو ربما الرغبة في كسر الروتين اليومي.  

          ثانيا أسباب سياسة، في هذه الحالة يكون الدافع أقوى بكثير لدي الشاب الأهوازي، كالبحث عن النقاش السياسي أو البحث عن السياسات التي تخص المجتمع الأهوازي أو نقد عملية صنع و اتخاذ القرارات السياسية على مستويين الإيراني و الأهوازي.  

          ثالثا أسباب مهنية، تتمثل في الرغبة في تحسين المهنية و المنافسة و اعتبارها وسيلة سريعة لإنجاز المهام و الوظائف.

        صحافة المواطن  Citizen Journalism  

            هنا لابد من الإشارة إن المشاركة السياسية سمة مهمة من أساسيات المجتمعات الحديثة. خاصة أنها تلعب دورا محوريا في التنمية الشاملة للمجتمع، بل و ايضا تعد عاملا اساسيا في التحديث و التنمية السياسية، أي أنها الألية التي يتم من خلالها إدارة القوى السياسية و الاجتماعية من أجل تقديم الخطط و الروى اللازمة لتطوير المجتمع و التاثير على عملية صنع القرار. و تتمثل قيمة المشاركة السياسية في حالة التمكن من تحقيق التغييرات و التاثير على السياسة العامة للحكومة، و بالتالي فإن المشاركة السياسية تتضمن علاقة تفاعلية متبادلة بين الفرد و السياق السياسي. ففي حالة عدم حدوث تفاعل، هذا يعني أن المشاركة السياسية ليست حقيقية.

           و في الحالة الأهوازية يوجد هناك فجوة بين تعامل الفرد الأهوازي و السياق السياسي العام في إيران. حيث إن السياق السياسي العام يمنع و بشتى السبل حضور النشطاء السياسيين العرب في العملية السياسية و التي اختصرتها الحكومة في الانتخابات بمفهومها الضيق. و على ضوء هذا اختزل النظام السياسي القائم في إيران العملية السياسية في الانتخابات فقط و اختزل عملية الانتخاب ايضا لمن يسمح لهم بالترشح من قبل " مجلس صيانة الدستور " و هم رجال دين شيعيين. لهذا لا يوجد علاقة تفاعلية ايجابية لعرب الأهواز - افرادا و مجتمعات - مع السياق السياسي العام في إيران و اختصرت المشاركة السياسية للعرب بالحضور السلبي في الانتخابات تفاديا للضغوطات الامنية و الإدارية التي تمارسها السلطة في إقليم الأهواز لمن يحاول عدم المشاركة في الانتخابات.   

         و تصديا لهذه الحالة، خلق الفضاء الافتراضي سياق سياسي موازي للسياق السياسي العام لعرب الأهواز و سمح هذا الفضاء للأهوازيين بتبادل الافكار بسهولة و سرعة هائلة مما عزز التواصل و التفاعل بين مستخدمي الشبكات الاجتماعية في الأهواز. كما مكنهم من استخدام وسائل الإعلام المختلفة مثل الصور و الفيديو و .... و دفعت المناقشات و تبادل الافكار عبر تلك الوسائل الأهوازيين إلى بعض النشاطات على ارض الواقع.   

           و قد اظهرت الحالة الأهوازية ان عدم المشاركة السياسية في السياق الذي يحدده النظام القائم في إيران قد يرجع إلى اختزال مفهوم المشاركة السياسية و كذلك هيمنة الحكومة و خطابها ( القومي الفارسي و الطائفي الشيعي ) على كافة الوسائل الإعلام التقليدية. في حين عزف الأهوازيون و خاصة الشباب و الشابات منهم عن استخدام وسائل الإعلام التقليدية و بالتالي اصبحت وسائل الإعلام الحديثة شكلا من اشكال المشاركة السياسية البديلة لدى الأهوازيين و التي جسدوا من خلالها عن ذاتهم و هويتهم و مطالبهم السياسية و الثقافية و الاجتماعية و معاناتهم جراء التمييز و التهميش و التهجير الممنهج.   

          أدى استخدام المتزايد لوسائل الإعلام الاجتماعية في الحالة الأهوازية إلى انتشار ما يسمى " صحافة أو إعلام المواطن " و هو مصطلح ينطبق على مشاركة الافراد العاديين أي من هم ليسوا صحفيين في جمع المعلومات و التعليق عليها و نشرها باستخدام التكنولوجيا الحديثة دون وجود أي خلفية مهنية. و يعتبر هذا المصطلح بديل عن دور الصحافة و الإعلام التقليديين في الحالة الأهوازية، قائدها الشباب الذي يقود سائر الشرائح المجتمع في ما يتعلق بالمعارف و الاستفادة الكاملة من التكنولوجيا الحديثة و التي ظهرت أهميتها جليا في كثير من المجالات مثل انعكاس اخبار نقل المياه من اقليم الأهواز إلى المحافظات الإيرانية الاخرى، قضية تجفيف الأهوار من أجل حفر أبار النفط و الكشف عن عملية التزوير الواسعة و الممنهجة في انتخابات مجالس البلدية في الأهواز و باقي مدن الاقليم و التي اقصي مرشحين العرب الفائزون من خلال التلاعب بنتائج هذه الانتخابات و اصبح العرب جراء هذا التزوير اقلية في مدنهم الرئيسية في الاقليم.   

           و في كل هذه الحالات قام الشباب الأهوازي بتحميل اعداد هائلة من مقاطع الفيديو و الصور و التقارير حول هذه الاحداث و بثها عبر الشبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أجبر بعض الوسائل الاعلام الرسمية و كذلك بعض الشخصيات مثل الرجال الدين العرب المحسوبين على النظام الإيراني لتغيير لهجتها و اتخاذ مواقف أكثر حيادية في بعض من هذه الحالات.   

الفجوة بين الإعلام الحديث و النشاط السياسي الفاعل  

             اثبتت الحالة الأهوازية أنه بالرغم من وجود علاقة إيجابية بين استخدام الإعلام الاجتماعي الحديث لأغراض سياسية، إلا أنه يوجد ايضا علاقة سلبية بين استخدامه بكثافة و المشاركة السياسية الفعلية، تتمثل في عدم ترجمتها إلى انشطة سياسية ترتقي و التحديات التي تواجه المجتمع الأهوازي. و هذا يعني افتقار المشاركين الأهوازيين إلى استراتيجية العمل الميداني و فقدانهم القدرة لترجمة ما يدور في الفضاء الافتراضي إلى النشاط السياسي الفاعل.   

            و هنا نقصد من المشاركة السياسية الفاعلة ليست تلك الذي يروج لها النظام السياسي في إيران إنما نقصد و نظرا لحالتنا الأهوازية بالتحديد المشاركة السياسية التي تبث الوعي بالذات و الهوية و تطالب بالحقوق الجماعية و الفردية للمواطن العربي الأهوازي و تكافح التمييز و التهميش و التهجير الممنهج و تنتقد الخطاب السياسي الرسمي للحكومة.   

             و في هذا الصدد لابد من التركيز على نقطة في غاية الأهمية تتمثل في التاثير القوي و المباشر لشبكة الإنترنت على المشاركة السياسية لشاب الأهوازي. فأي فرد يمتلك المعرفة و المهارات لاستخدام وسائل الإعلام الجديدة، يستطيع الانخراط في الحياة السياسية، و هذا بالطبع يسلط الضوء على ما يسمى ب " الفجوة الرقمية " التي توحي بأن دور وسائل الإعلام في تمكين شرائح معينة من الشباب الأهوازي، يمكن أن يودي إلى تهميش شرائح أخرى تعاني " أمية الانترنت " أو المقيمين في المناطق النائية و الريفية التي لا يوجد بها شبكة الانترنت و بالتالي فإن مسألة تعميم تاثير وسائل الإعلام الاجتماعية في حالتنا الأهوازية الخاصة أمرا في غاية الصعوبة.